
القاص سعيد رضواني:حين تبكي المرآة وتضحك الشخصية
بقلم: عبد السلام بوكورات
الجميل في نصوص [ مرايا] أنها لعب سردية مثيرة يستدرج الكاتب إليها القاريء ليشاركه اللعبة ثم يرمي به في دوامة من السرد الممتع والماتع ، لكن القاريء لا يكتفي فيها بالمتعة فقط ، بل لن يخرج من تلك الدوامة الا و يحمل معه الكثير من التساؤلات حول مواضيع شتى تلامس الوحدة والانعزال والاقصاء والتشظي والكبت والرغبة و المعاناة الإنسانية على اختلاف أشكالها والوانها….
ما أثارني في قصة ( المرآة) هو بعدها النفسي والفلسفي العميق، شخصيتها المركبة والمعقدة، بعض الرموز وعلاقتها بتلك الشخصية ، الوضعية الاجتماعية وتأثيرها على الوضع النفسي للشخصية التي يتحدث عنها السارد ، المرآة والتي تكاد تكون فيها هي الشخصية الرئيسية الرئيسية ، سر الانتشاء واليقظة الذي يلاحظ على الشخصية في نهاية القصة، موضوع الموت والذي غالبا ما تتحدث عنه نصوص الكاتب.
شخصية ( المرآة) التي يتحدث عنها السارد في القصة هي شخصية معقدة ومركبة تعاني من الاكتئاب واليأس، ويبدو أيضا أنها تعيش حالة من العزلة والوحدة وتتأثر بذكريات الماضي. ولعل ارتباطها بمجموعة من الرموز هو الذى جعلها تبدو مركبة إلى أبعد الحدود. وهذه الرموز هي : العجوز التي تتوعدها باستمرار “تذكر ! عبر زجاج المرآة المضاعف ستراني دائما هناك!” ،أجرة الكراء ، السائل الأصفر، الجرذ، الجمجمة ، اللوحة الطبيعية… هي بعض الرموز التي قد تساعدنا على فهم الشخصية. فالعجوز قد ترمز إلى ضمير الشخصية أو عقابها الداخلي. تبدو الشخصية وكأنها تشعر بالذنب أو الندم تجاه شيء ما وتتوقع العقاب من العجوز . أجرة الكراء قد ترمز الى الالتزام أو المسؤولية التي تشعر بها الشخصية تجاه نفسها ، وعدم دفع هذه الأجرة يرمز لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه نفسها والآخرين. السائل الأصفر قد يرمز للسم أو المرض الذي تعاني منه الشخصية وقد يكون إشارة إلى الاكتئاب واليأس. الجرذ والجمجمة قد يحيلان على الموت أو الخوف أو القلق الذي يتهدد الشخصية. أما اللوحة الطبيعية التي تلتفت إليها الشخصية بين الفينة والأخرى، فقد ترمز الى الهروب من الواقع أو الجمال والسلام الذي تنشده الشخصية .
فالشخصية تعاني من هواجس متعددة تتمثل في الخوف من الموت والقلق من المستقبل والشعور بالذنب ويبدو كما لو أنها تتأرجح بين الوعي واللاوعي وذكريات الماضي .الشخصية تعاني من أحاسيس ومشاعر سلبية متعددة مما يجعلها شخصية مركبة ، عصية على الفهم . هناك رموز أخرى كالقارورة التي قد ترمز الى الماضي الذي سجنت فيه الشخصية نفسها وروحها ، والجدار الذي قد يحيلنا الى العراقيل والصعوبات التي تواجهها.
قلت سابقا إن المرآة تكاد تكون الشخصية الرئيسية وتلعب دورا محوريا في القصة لان فيها تنعكس جميع التحولات التي تطرأ على الشخصية. فهي بدورها تشكل رمزا اساسيا قد يرمز الى الحقيقة والواقع. غالبا ما نقول عن شخص بانه” لا يريد أن يرى وجهه في المرآة” ، ويقصد بذلك انه يهرب من حقيقته ومن واقعه.
فالمرآة تعكس التحولات ( الخيال، الاوهام، الهواجس..) النفسية التي تطرأ على الشخصية وعلى حالتها العقلية أيضا، فالمرآة تعكس الحدود الفاصلة بين الوهم والحقيقة…
الوضعية الاجتماعية ، مما لا شك فيه، قد يكون لها تأثير كبير على الجانب النفسي. فالشخصية على ما يبدو تعيش وضعا اجتماعيا مزريا وعزلة قاتلة ، “فقد مضى على آخر زائر طرق بابه أكثر من سنة “(ص.87), يعيش في غرفة ضيقة مكتراة وهو عاجز عن دفع أجرة الكراء ،وهذا الوضع قد تكون وراءه ضائقة مادية مالية
وهي وضعية قد تزيد من شعور الشخصية بالقلق والأرق ، ” …استطاع أن ينام فيها بعد ثلاث ليال من القلق والارق.”
اكيد ان هذه الوضعية المزرية سيكون لها كارثي على الصحة النفسية والعقلية للشخصية وعلى سلوكها وتجاه نفسها والآخرين.
لكن ، ما السر في يقظة وحالة الانتشاء التي طرأت على نفسية الشخصية في آخر القصة؟ لعل الكاتب ، لم يرد أن يجعل من شخصية قصته شخصية انهزامية رغم الصورةالسوداوية والسلبية التي قد نكونها عنها ويجعلها تستقر في ذهن القاريء.
قيقظتها وانتشاؤها في آخر المطاف قد يكون نتيجة لعدة عوامل وهنا يحيلنا السارد إلى المرآة ودورها في هذا التحول. لم تعد الشخصية تدير راسها عنها ، بل بالنظر إليها والتأمل في ذاتها وحياتها ومواقفها السابقة تمكنت من اكتشاف ذاتها من جديد وأدركت حقيقة مشاعرها . وهذا الاكتشاف هو الذي مكنها من التحرر من الهواجس والاوهام التي سجنت روحها فيها طيلة سنوات. فالضحك والضحك الهستيري هو تعبير عن المشاعر المكبوتة، وهذا الاكتشاف أيضا قد يكون بداية لحياة جديدة وبعث جديد….
مما أثارني في قصة( المرآة ) أيضا هو ” تيمة” الموت ، وهي تيمة تكررت في أعمال الكاتب الجميل والمؤمن بالحياة حتى النخاع. فربما أراد بهذه النهاية أن يبرز لنا، عن طريق الشخصية، أن أخطر الموت هو الموت النفسي ، اي ان تكون قد فقدت الأمل والرغبة في الحياة والناس وكل شيء ، وايضا الموت الروحي وهذا الموت قد يكون نتيجة الانفصال عن الذات والمجتمع وتكون وقائعه مدمرة للشخصية. وموضوع الانعزال سبق أن وقفت عليه أيضا في قصة ( عند الغروب) وهي القصة التي تسبق هاته….
*على سبيل الختم ، لا أدعي بأن قراءتي هذه ترقى الى القراءة النقدية المتخصصة، ولا اطمح أن تكون كذلك . هي محض اجتهاد قرائي لنص يمتعك ويترك فيك أثرا طيبا وتود أن تتفاعل معه بشكل من الأشكال…
القاص سعيد رضواني:حين تبكي المرآة وتضحك الشخصية
قصة ( المرآة ) هي القصة ما قبل الأخيرة لمجموعته [ مرايا]، منشورات رونق/ الراصد الوطني للنشر والقراءة، طبعة2019.